العيد في المغرب.. تقاليد أصيلة وعادات غريبة

ما إن تبزغ شمس يوم عيد الأضحى حتى يبدأ الناس في المغرب بالتهافت على المساجد والمصليات رجالا ونساء، أطفالا وشيوخا وشبابا لأداء صلاة العيد.. ويتشبث المغاربة بهذه المناسبة بتقاليد أصيلة تتجلى في حرصهم على ارتداء الزي التقليدي المغربي كالجلباب الأبيض و «البلغة» والطربوش الأحمر، هذا الزي الذي لا يبرحونه طوال يوم العيد.

تقاليد أصيلة
وتهتز المساجد بالتكبير والتهليل والتحميد، الذي يدوي في مختلف المساجد والمصليات، مما يضفي على جو هذا اليوم نسمات روحانية تُجسد في النفس معاني التقوى والإيمان. وبعد أداء صلاة العيد والاستماع إلى الخطبة، يشرع المصلون في تبادل التهاني والتبريكات قبل أن يعودوا إلى منازلهم لتقديم التهاني لذويهم وأقربائهم وجيرانهم، والبدء بعملية ذبح أضحية العيد.
ويرتبط عيد الأضحى في المغرب بمجموعة من العادات والتقاليد، وظواهر اجتماعية تختلف من منطقة إلى أخرى لتشكل في مجموعها عناصر تلك الاحتفالية الدينية الهامة. وهكذا درج المغاربة على اقتناء الأضحية قبل العيد بأيام لإحساس الصغار بأهمية الحدث، مما يولد لدى الأطفال إحساسا بانتمائهم الديني، وتشبثهم بعقيدة وتقاليد آبائهم وأجدادهم.. واتخذت عادات وتقاليد الذبح مظهراً احتفالياً يتمثل في تجمع أفراد الأسرة جميعهم لمشاهدة عملية النحر. وقد يشترك الجيران بعضهم مع بعض في ذبح أضاحيهم، ويتعاون الجميع ذكورا وإناثا في عملية الذبح وكل متعلقاتها في جو جميل..
ويعتبر الصيام إلى حين الإفطار بكبد الخروف في زوال اليوم الأول من السنن عادة يتشبث بها المغاربة، وهي فرصة مناسبة لجمع شمل العائلة، والتقاء الكل على مائدة واحدة. أما في الليل، فيطبخ ما يسمى بـ «التقلية» أو (الكرشة).. وفي اليوم الثاني، جرى التقليد منذ القدم على أن تكون وجبة الإفطار هي «الرأس» حسب المناطق، لكن بدأت كثير من هذه العادات في الاضمحلال.
عادات غريبة
وإذا كان العيد يزخر بهذه المظاهر الاحتفالية التي تضرب بجذورها إلى أعماق التاريخ، فإن هناك بعض الممارسات الغريبة التي تمارسها بعض الأسر المغربية كغمس اليد في دماء الأضحية ثم طبعها على الجدران أو شربها، اعتقاداً بأن الدماء لها القدرة على منع الحسد. ومن الناس من يعمد إلى شرب أولى قطرات هذا الدم، ومنهم من يسارع إلى تجميع كميات من الدم في قارورة بيضاء ليلتحف به من يشكو مسّاً.. ومن الناس من يرمي بالملح أثناء الذبح عند حافة المصارف اعتقادا منه أن ذلك سيطرد الجن، أو يملأ بالملح فم الخروف.
وتقوم النساء في بعض المناطق بالمغرب -مراكش مثلا- في صباح يوم العيد بعد ذبح الأضحية بالاحتفاظ بمرارة الكبش لاعتقادهن أنها تشفي من بعض الأمراض، وكذلك نثر الملح أثناء انسياب دماء الأضحية وقت الذبح. وفي مراكش الكثير من التقاليد والأعراف التي عرفت طريقها إلى الزوال، فبعض العائلات مثلا لا تجيز قطع لحم الأضحية إلا في اليوم الثاني من العيد.. وفي قبائل زعير قرب الرباط، يضع الأهالي الحناء على رأس الأضحية ليلة العيد ويقدمون لها الشعير الممزوج بالملح قبل ذبحها، وفي صبيحة يوم العيد يتناولون إفطارهم العادي.

عمل اجتماعي تضامني
وبمناسبة عيد الأضحى المبارك، تقوم بعض الجمعيات الفاعلة في العمل الاجتماعي الخيري بالمغرب بمساعدة الأسر المعوزة حتى يتأتى لها أن تعيش أجواء العيد وطيباته مثل سائر الأسر الأخرى، التي مَنّ الله عليها بالقدرة على شراء أضحية العيد.
وتقوم إحدى الجمعيات النشيطة في هذا المجال بمدينة الرباط بزيارات معاينة للأسر المحتاجة من أجل ضبط الحالات الاجتماعية الجديرة بالرعاية والمساعدة، اعتمادا على مؤشرات السكن والمدخول ومن يعيل الأسرة، فلا يكفي أن يأتي الشخص إلى الجمعية ويخبرها بأن حالة أسرته مزرية، فلا بد من تلك الزيارات المباشرة لتحديد الحالات المعنية بمساعدة الجمعية.
وتتمثل مساعدات هذه الجمعية بمناسبة عيد الأضحى في تقديم مساهمات مادية لشراء الأضحية، وفي جمع اللحوم وتوزيعها خلال اليوم الثاني من أيام العيد السعيد، بحيث يتصدق كثير من الناس باللحوم، بعدما كانت تُجْمَع اللحوم في السنوات الماضية كمرحلة أولى وتخزن في آلات التبريد، ثم في المرحلة الأخيرة توزع على أصحاب الحاجة.
وأحيانا، يتصل بعض المحسنين بالجمعيات الفاعلة في المجال الاجتماعي للاستفسار عن عناوين الأسر المحتاجة، فيسلمونها الأضاحي يدا بيد عن طريق إرشاد الجمعية لهؤلاء المحسنين، حتى تتم ظروف التسليم في أجواء يطبعها التنظيم وحسن التأطير.
ويطالب عضو المجلس العلمي للناضور (شمال المغرب) الأستاذ عبدالله بوغوتة، بإحياء مظاهر التكافل الاجتماعي والتراحم بين أفراد المجتمع، متوجها بخطابه إلى العلماء والدعاة بالدعوة إلى «أن يعملوا على توعية الناس أولا بأحكام الأضحية كما وردت في الفقه الإسلامي، وتحكيم شرع الله تعالى وإن خالف أهواءنا وتقاليدنا الاجتماعية، وثالثا بحَثِّ الموسرين بالنظر إلى إخوانهم الفقراء والمحتاجين وإشراك أبنائهم في فرحة العيد ورفع الحرج عنهم». فكلما عمّ التراحم بين أفراد المجتمع المسلم، كما يضيف الأستاذ بوغوتة، حلت الرحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء